منذ 13 عاماً وفي معرض القيود والضغوط الدولية على إيران من باب ملفها النووي، فرضت الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن سلسلة من العقوبات على إيران كان أهمّها من الوجهة الاستراتيجية والعسكرية فرض الحظر على تجارة الأسلحة مع إيران بيعاً وشراء وحرمانها من الحصول من السوق العالمي من التكنولوجيا الحديثة والمواد الأولية اللازمة للتصنيع فضلا عن حرمانها من استيراد وتصدير أيّ نوع من أنواع الأسلحة والذخائر والمواد التي تستعمل في تصنيعها.
بيد أنّ إيران تمكّنت من تحويل التحدّي إلى فرصة واعتمدت على نفسها وقدراتها وسدّت الكثير من الثغرات والحاجات والنواقص التي أحدثتها قرارات الحظر في بنيتها التسليحية، لكن الإبداع الإيراني في مجال التصنيع العسكري ورغم تحقيقه الكثير من الإنجازات خاصة على صعيد صناعة الصواريخ وتطوير القدرات الصاروخية بشكل مذهل لم يصل الى مستوى التفلت الكلي من التداعيات والآثار السلبية لقرارات الحظر الدولي على حركة السلاح والذخائر من إيران واليها واستمرت تلك التدابير الى جانب سواهما من العقوبات في مجالات أخرى نفطية واقتصادية ومصرفية تؤلم الاقتصاد الإيراني وتدفعه إلى الخلف وتتسبّب بإيلام شديد للشعب الإيراني.
لقد برّر الغرب وبشكل معلن تدابيره العقابية بذرائع شتى جوهرها الحؤول دون «حصول إيران على السلاح النووي ومنعها من تصنيع القنبلة النووية» واستمروا بتمسكهم بهذه الذريعة من اجل فرض العقوبات التي هي في حقيقتها تنطوي على إرادة عربية بمنع إيران من بناء القوة العسكرية القادرة على الدفاع عن المصالح الإيرانية الوطنية والاستراتيجية، المتمثلة بالدفاع عن إقليمها ضدّ أيّ عدوان، والدفاع عن علاقاتها وتحالفاتها الاستراتيجية في المنطقة وبشكل خاص محور المقاومة ضدّ المشروع الغربي الصهيوني الاستعماري الرامي الى السيطرة على المنطقة ومصادرة ثرواتها فضلاً عن اتجاهه الأخير في إحداث التغيير الديمغرافي في خريطتها ليكون المشهد الديمغرافي الجديد في خدمة المشروع ودوامه مستقبلاً.
وعليه لا يمكن لأحد أن ينكر بأنّ قرارات حظر التسليح وتداول الأسلحة مع الخارج التي فرضت على إيران أدّت الى آثار سلبية هامة، لم يصل الإبداع والتكيّف الإيراني معها الى معالجتها كلها، وبقي جانب منها بحاجة الى علاج يوقف مفاعليها السلبية، وغم انّ الثورة الاسلامية في إيران اعتمدت باكراً استراتيجية التسليح الذاتي التي تحررها من الحاجة الى سوق السلاح الأجنبي الممسوك بنسبة عالية بيد خصومها وأعدائها، إلا أنّ إيران لا تتفي ما تسبّبت به سياسة الحظر الدولي من أضرار متعدّدة لحقت بها، لذلك كان لا بدّ لها من التحرك في سياسة تقود الى رفع هذا الحظر ووقف تلك العقوبات بما لا يمسّ باستراتيجيتها الأساسية، فكانت استراتيجية التفاوض حول الملف النووي مع القوى الأساسية الممسكة بقرار العالم والمعبّر عنها بدول 5+1 أي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ويضاف إليهم ألمانيا.
وبعد ثمان سنوات من الكر والفر والتفاوض المضني تمكّنت إيران من الوصول مع مجموعة (5+1) الى اتفاق حول ملفها النوى يحفظ لإيران حقها بالاستعمال السلمي للطاقة النووية، ويوفر للجهة لدولية المقابلة كلّ ما تريده من ضمانات لمنع حصول إيران على القنبلة النووية، وذلك بإلقاء قيود مشددة على السلوك النووي الإيراني قبلت بها إيران مقابل رفع العقوبات عنها بشكل تدريجي، وأعطي الاتفاق شرعية دولية تامة باعتماده بقرار من مجلس الأمن.
ومنذ الاتفاق الذي أبرم في العام 2015 كانت إيران تتطلع الى الجدول الزمني لرفع العقوبات الدولية بالتدرّج خاصة في ما يتصل بالأسلحة والتسليح لما في ذلك من تأثير وانعكاس مباشر على قدراتها العسكرية الدفاعية الذاتية وقدرات حلفائها فضلاً عن الأثر على مالية الدولة وحركتها الاقتصادية.
لكن الرئيس الأميركي ترامب ومن اللحظة الأولى لتوليه الحكم أراد أن يفسد المسار التراجعي للعقوبات على إيران، فخرج من الاتفاق النووي رغم انه مؤكد عليه بقرار من مجلس الأمن، محاولاً أن يقطع الطريق على مسيرة رفع العقوبات عن إيران عبر مجلس الأمن.
كان التصرف الأميركي بمثابة الاختبار القاسي لإيران في تبصّرها وتعاملها مع الأمور الاستفزازية، ففي حين راهن ترامب على ردّ فعل إيراني يسقط الاتفاق ويبرّر بقاء العقوبات فإنّ إيران تعاملت مع الأمر بحنكة ودهاء شديدين مع مرونة واضحة، فتمسكت بالاتفاق من جهة وخففت التزاماتها الطوعية في تنفيذه من جهة أخرى ما أوحى للأطراف المتبقين من مجموعة 5+1 انّ إيران تملك قوة القرار وشجاعة اتخاذ التدابير التي تحفظ مصالحها، ما جعل الاخرين يتمسكون بالاتفاق ويمتنعون عن السير خلف ترامب متسبّبين بعزلته دولياً وبإفشاله في محاولة إسقاط الاتفاق ومناورات وقف مسار رفع العقوبات.
وبحلول 18102020 كانت إيران على موعد مع عهد جديد في علاقاتها مع العالم عهد يرفع فيه الحظر على تجارة الأسلحة بيعا وشراء، بعد أن امتنع مجلس الأمن عن الاستجابة الى مطالب أميركا بتمديد الحظر على حركة السلاح من وإلى إيران، وأظهرت أكثر من دولة رغبتها في تصدير السلاح الى إيران أو شرائه منها متجاوزة الى حدّ بعيد التهديدات الأميركية التي اطلقها بومبيو الذي اعتبر زوراً انّ الحظر الدولي لا يزال قائماً مهدداً من يتعامل مع إيران بالعقوبات الاميركية دون ان يبرر قراره او يحدد المرجع والمستند الذي يستند اليه في ادعائه وتهديده غير الغطرسة الأميركية وإرادة التجني والعدوان التي تجعل اميركا تتصرف خارج القانون الدولي بذهنية قطاع الطرق.
بيد انه رغم التهديد الأميركي، ورغم توقع انصياع دول لهذا التهديد والامتناع عن التعامل مع إيران، فإنّ هناك عدداً كبيراً من القوى الدولية ستتجاوز التهديد الأميركي غير المشروع وتقيم علاقات ثنائية مع إيران في مجال التسليح ما سيكون له انعكاس وتأثير وتداعيات لصالح إيران وحلفائها في المنطقة والعالم كما والقوى المتعاملة معها كما يلي:
1 ـ ستتمكّن إيران من الحصول على الأسلحة المتطورة من روسيا وأوروبا والصين ما يمكنها من تعزيز قدراتها الدفاعية خاصة في مجالات الدفاع الجوي والبحري ما يرفع المناعة الدفاعية الذاتية لديها ويدفع الى الوراء مخاطر التهديد بالعدوان عليها، رغم أنها كانت شبه مطمئنة الى تلك القدرات لكن التعزيز الجديد من شأنه أن يسقط كلياً مفاعيل تلك المخاطر ويجعل طريق التسويات والتفاهم السلمي الذي يحفظ مصالح إيران هو الحلّ والمسلك المفتوح امام خصومها للتعامل معها.
2 ـ ستتمكن إيران من تصدير مصنوعاتها العسكرية الى الخارج وفي ذلك نتائج إيجابية على أكثر من صعيد يمكن ذكر بعضها كما يلي:
– تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الحلفاء فضلاً عن تعزيز قدراتهم الدفاعية وبناء دورة تسليح آمنة معهم بعيداً عن الضغوط الدولية.
– فتح أسواق دولية امام السلاح الإيراني ما يؤدي الى تنشيط التصنيع وتطويره من جهة وشبك علاقات فاعلة مع قوى عالمية جديدة.
– توفير مصادر مالية بالعملة الصعبة، او إيجاد واقع مقايضة بين السلاح المصدر والمواد المستوردة دون المرور بالدولار الأميركي او الخضوع لمؤثرات العقوبات الاميركية في القطاع المالي والمصرفي.
وبالخلاصة نرى انّ صمود إيران ونجاحها في الخروج من عزلة ارادتها لها أميركا وجعل أميركا هي التي تعاني من العزلة التي شاءتها لسواها، معطوفاً على ارتقاء المناعة الدفاعية لإيران وحلفائها، من شأنه ان يفرض على اميركا مراجعة سياستها مع إيران بعد ان تتيقن أنّ الطريق العسكري شبه مقفل ومحفوف بعظيم المخاطر وانّ طريق العقوبات المؤدي الى فرض الاستسلام على إيران ومحورها بات السير فيه عقيم، ولن يبقى الا الطريق الأخير وهو البحث عن حلول سلمية تحفظ الحقوق لأصحابها، فهل سيكون السير في هذا الطريق الوحيد المتاح سريعاً بعد الانتخابات الأميركية أياً كان الذي ستأتي به صناديق الاقتراع الى الحكم؟